أ. د. محمد الربيعي
بروفيسور في جامعة دبلن
لقد سبق أن كتبنا كثيرا حول أزمة المجلات العلمية والأكاديمية المحلية، وأزمة النشر العلمي في المجلات “العالمية” الزائفة، وأزمة البحث العلمي الرصين من منطلق الحفاظ على سمعة الجامعات العراقية، وأيضا ابتغاء للمصلحة الوطنية منطلقين من دافع الحرص على دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي في العراق. ولكن ما يدفعنا لفتح هذا الموضوع مجددا، هو اصرار عدد كبير من الكليات في الجامعات العراقية على اصدار مجلات جديدة بحيث وصل الى اكثر من 245 مجلة، ولربما فاق هذا اعداد المجلات الثقافية والسياسية والرياضية مجتمعة، وما يدفعنا ايضا للكتابة تجاهل عدد كبير من الباحثين والتدريسيين لحقيقة كون معظم المجلات البحثية التي تصدر على الشبكة العنكبوتية والتي ليس لها طبعات ورقية هي مجلات زائفة.
ليس هناك اي سبب ودافع معقول ومقبول لكي تصدر الكليات مجلات علمية لنشر البحوث باسمها فهذا ليس عملا مألوفا لأسباب عديدة منها اولا، ان اصدار المجلات البحثية ليس من اختصاص الكليات ولا الجامعات، وثانيا، انها تلغي استقلالية النشر وقد تشجع الفساد العلمي، وثالثا، تحرف الاهتمام بالنشر في المجلات العلمية العالمية الرصينة، ورابعا، تزيد من التشتت وضياع مجهود الباحثين لصعوبة الاطلاع على اعمالهم، وخامسا، تضعف مستوى البحث وتزيد من السرقات والاقتباسات العلمية غير المشروعة، وسادسا، تضيف ثقلا ماليا إضافيا غير ضروري على كاهل ميزانية التعليم العالي والبحث العلمي.
السؤال الذي نطرحه على الكليات هو: ما هي ضرورة اصدار هذه المجلات في ظل اوضاع انحسار الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي، ووجود مجلات علمية تصدرها جمعيات ومؤسسات عراقية وعربية وعالمية واسعة التوزيع والاهتمام؟ هل توجد اي دراسة تثبت فيها ضرورة و أهمية هذه المجلات لنشر البحث العلمي الرصين بداخل العراق؟ هل هناك ندرة في المجلات العلمية المتخصصة؟ هل توجد اية دراسة تبينمدى الاهتمام بها من قبل الباحثين ونسبة الاطلاع عليها والاشارة الى بحوثها؟ هل ان اصدار مجلة علمية يخضع الى قانون العرض والطلب؟ ولماذا لا تصدر مجلة عراقية واحدة مشتركة لكل فرع من فروع المعرفة الاساسية بدلا من اصدار مجلة لكل كلية وقسم ومركز ومؤسسة علمية؟ هل اغراق السوق بالمجلات العلمية دليل على كثرة البحوث العلمية في العراق ام انه تحقيق لاغراض اخرى لا نرغب في مناقشتها؟